قصة هانزل و غريتل ربما يكون اغلبنا قد قرأ او سمع او حتى شاهد عبر التلفزيون قصة هانزل و غريتل ، و لمن لم يسمع بالقصة فهذه نبذة سريعة لها ، هانزل و غريتل قصة نشرت ضمن مجموعة قصص للأطفال في المانيا عام 1812 و هي تتحدث عن صبي و فتاة كان والدهما حطابا فقيرا جدا ، و لأن الاب لم يكن بأمكانه توفير الطعام للعائلة فقد طلبت منه زوجته (احيانا تظهر على انها زوجة ابيهم و احيانا اخرى امهم الحقيقية) ان يأخذ الاولاد الى الغابة و ان يتركهم و يهجرهم هناك ، من حسن الحظ ان الاطفال سمعوا خطة زوجة ابيهم (او امهم) لذلك قرروا ان يجمعوا حصاة بيضاء و ينثروها خلفهم بينما والدهم يسير بهم في الغابة لكي يستدلوا بها على الرجوع الى البيت عندما يتركهم والدهم في الغابة ، و بالفعل نجحت خطة الاطفال فبعد ان اختفى والدهم و تركهم وحيدين قاموا بتتبع الحصاة التي نثروها و تمكنوا من العودة الى البيت ، لكن بعد فترة من الزمن اصبح وضع الاب اكثر صعوبة و لم يكن هناك طعام يسد رمق العائلة لذلك طلبت زوجته مرة اخرى بأن يذهب بالاطفال الى الغابة و يتركهم هناك و هذه المرة ايضا سمع الاطفال بما ينوي والدهم فعله فقاموا بتكرار خطتهم السابقة و لكن هذه المرة لم يتسنى لهم الوقت لجمع الحصى لذلك استعملوا قطع صغيرة من الخبز لينثروها خلفهم و لسوء حظهم فقد اكلت الطيور و الحيوانات قطع الخبز لذلك لم يستطع الاطفال العودة الى المنزل و تاهوا في الغابة حتى وصلوا مع حلول الظلام الى بيت جميل مصنوع من الحلوى و قطع السكر فأخذوا يأكلون من جدرانه و شبابيكه حتى خرجت منه عجوز شمطاء و دعتهم للدخول الى المنزل لتناول المزيد من الحلوى و ما ان دخلوا الى البيت حتى اكتشفوا ان العجوز هي ساحرة تقوم بخداع الاطفال بالحلويات لأستدراجهم و اكلهم و قد قامت العجوز الساحرة بحبس هانزل حتى يسمن لكي تأكله و استخدمت اخته غريتل كخادمة ، و في اليوم الذي قررت فيه طبخ و اكل هانزل طلبت من غريتل الدخول الى الفرن للتأكد من انه جاهز للشوي و لكن غيرتل خدعت العجوز و اقنعتها بأن تدخل هي الى الفرن و ما ان فعلت ذلك حتى اغلقت باب الفرن عليها و حررت اخيها هانزل و هرب الاثنين من منزل الساحرة بعد ان قاما بسرقة مجوهراتها و عادا الى بيت ابيهم ليعيشوا بعد ذلك حياة سعيدة و هانئة و الى هنا انتهت القصة.جذور حقيقية للقصةالعصور الوسطى عرفت الكثير من المجاعات و حدثت فيها الكثير من الامور الفظيعة التي حولت بعض الاشخاص الى وحوش بشرية لا تعرف الرحمة ، انها طبيعة الانسان و غريزة البقاء ، كانت المجاعات تحصد ارواح الملايين في العالم و حتى في ايام الرخاء كانت الاكثرية من عامة الشعب تعيش في فقر مدقع بحيث من النادر ان ينام الشخص و هو ممتليء البطن و لم يكن شيئا غريبا ان ترى الكثير من الاطفال المشردين في الشوارع في ذلك الزمان ممن مات والديهم ، فمتوسط عمر الانسان في العصور الوسطى لم يكن يتجاوز في احسن الاحوال الـ 40 عاما و تهبط هذه النسبة لتصل زمن الحروب و الطاعون الى 18 عاما ، و لك يكن عجيبا في زمن المجاعات ان يهجر الوالدين اطفالهم ليتدبروا غذائهم لوحدهم او ببساطة ليموتوا بعيدا عن اعينهم ، و كان افضل مكان لهجرهم هو خارج المدينة او القرية في البرية او الغابة بحيث لا يستطيعوا العودة الى المنزل و لا يجدهم شخص يساعدهم على العودة الى المنزل ، هناك كان الاطفال يموتون جوعا او يقعون فريسة للحيوانات و من النادر ان ينجوا من الموت بأن يجدهم شخص ما و ينقذهم.في زمن المجاعات و عندما تصل المجاعة الى ذروتها بحيث لا يبقى شيء ليؤكل و عندما تستنفذ الاعشاب البرية و اوراق الاشجار و الفئران و الحشرات فلا يبقى خيار سوى اكل لحوم البشر ، نعم عزيزي القاريء ، البشر يصبحون طعاما للبشر ، انها ليست وحشية بقدر ما هي غريزة البقاء ، في اوربا و في احدى المجاعات تروى قصة حول خلاف نشب بين امرأتين و السبب هو ان الاثنين اتفقتا على ان يقوما بأكل اطفالهما و جرى الاتفاق ان يبدءا بأكل اطفال احداهما و في المرة المقبلة يأكلن اطفال الاخرى و بالفعل قاما بذبح و طبخ و اكل اطفال المرأة الاولى و عندما اتى الدور على المرأة الثانية رفضت القيام بقتل و اكل اطفالها ، ربما تضحك عزيزي القاريء و تظنها اسطورة و لكن مثل هذه القصص كانت تحدث في المجاعات و قد حدثت مثل هذه البشاعات في اخر و افضع مجاعة كبرى عرفها العرب في جبل لبنان عام 1919 عندما كانت الجثث تغطي شوارع و ازقة بيروت و كان الناس يخفون اطفالهم خوفا عليهم من الخطف و هناك تقارير حول اكل لحوم البشر بسبب الجوع في مجاعة اوكرانيا عام 1930 و كذلك هناك تقارير للأمم المتحدة تشير الى اكل لحوم البشر بسبب المجاعة في كوريا الشمالية بين عامي 1995 – 1997 .اذن اكل البشر في المجاعات ليس امرا غريبا و مؤلف قصة هانزل و غريتل استوحى قصته من هذا التاريخ الدموي ، انها قصة ممتعة للأطفال و لكنها في الحقيقة تحكي عن حقيقة مخيفة حدثت و تكررت عبر تاريخ المجاعات الطويل ، في مجاعة القاهرة عام 1065 و التي استمرت لسبع سنوات اصبح سعر رغيف الخبز 15 دينار ذهبا و تداول المؤرخون الكثير من القصص حول اكل لحوم البشر و في مجاعة اوربا الكبرى عام 1317 اصبح اكل البشر امرا عاديا و اصبحت سرقة الاطفال من اجل قتلهم و اكلهم متداولا و كثيرا ما تقوم به نساء يقمن بخداع الاطفال و استدراجهم و خطفهم ، و قد وثقت كتب المؤرخين الكثير من هذه القصص عن عصابات لسرقة البشر و الاطفال بصورة خاصة لأكلهم و ذلك لأن الاطفال من السهل خداعهم و اسكاتهم ، اذن العجوز الشمطاء في قصة هانزل و غريتل ليست شخصية خيالية بل هي من صميم الحقيقة و القصة ككل مستوحاة من الواقع ، هجر الاباء لأطفالهم بسبب الفقر و الجوع ، خداع و سرقة الاطفال و اكلهم و معروف لدينا جميعا ان اسهل طريقة لخداع الطفل هي عن طريق اغواءه بقطعة من الحلوى و اكثرنا يتذكر عندما كنا اطفال كيف كان اهلنا يحذرونا من الغرباء و كيف كانوا يخيفونا احيانا بالسعلاة او الساحرة الشريرة التي ستخطفنا و تأكلنا اذا لم نلتزم الهدوء او نخلد الى النوم و في الحقيقة ان اهلنا لم يروا في حياتهم السعلاة او الساحرة الشريرة و لكنهم سمعوا بها من اهلهم و الذين بدورهم تناقلوها عن اجدادهم و هكذا دواليك و ربما تظن عزيزي القاريء انها حكايات عجائز لا اساس لها من الصحة و لكن كن على ثقة بأنها جزء من تاريخ شفهي منسي و مخزون في ذاكرة الاجيال لأيام سوداء لا اعادها الله.[font=Arial Black][/font]